بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله تعالى
“والضحى والليل اذا سجى ما ودعك ربك وما قلى"
يقسم الله بشروق الشمس بعد ظلام الليل المطبق..
يقسم سبحانه بشروق الشمس أولا ليعرف الانسان عظمة الشروق بعد ظلال الليل الدامس..
يقسم بهما على ان انقطاع
الوحي لم يكن هجرا له
صلى الله عليه وسلم
بغضا، وانما ليزداد تشوقه إليه.. أقسم بهما ليبين عظيم مكانته
صلى الله عليه وسلم وقدره عنده سبحانه
“ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى”..
منزلتك في الآخرة ستكون أعظم من إكرام الدنيا بكثير، وإكرام الله لك دائم لا ينقطع
لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ثواب وكرامة حتى يرضى صلى الله عليه وسلم يذكرها سبحانه بشارة له صلى الله عليه وسلم، ويسوق لها الأدلة من نعم
الدنيا التي أنعم الله عليه بها.
“ألم يجدك يتيماً فآوى”
لم يكن يتيماً فحسب
بل حاز اليتم في أرقى درجاته توفي والده صلى الله عليه وسلم وهو جنين في
بطن أمه..
خرج الى النور وأباه في عالم الآخرة، لتبدأ العناية الآلهية له
من ساعة مولده
صلى الله عليه وسلم.
اليتم لغيره صلى الله عليه وسلم يعني ذلا في بيوت الناس
او فقدا للحنان في الملاجئ وبيوت الايتام، اما اليتم بالنسبة له
صلى الله عليه وسلم فكان مختلفا تماما، كان حفظا إلهياً من ساعة خروجه الى الوجود..
كان انتقالا من رعاية الى رعاية
ومن عطف الى عطف حتى شب رجلا يعتمد على نفسه.
خرج مستفيداً من خبرات الحياة ينتقل من بيت الى بيت ومن بيئة الى بيئة. فمن عطف الأم وحنانها الى بيئة البادية مع مرضعته حليمة..
ومن رعي الغنم وحياة البادية
الى عطف عبدالمطلب زعيم قريش آنذاك..
ومن كفالة جده الى رعاية
عمه الفقير أبي طالب..
ينتقل بين المهن ويرى ألوان الحياة، ولا يعيش بعقلية والده وحدها .. لم ينشأ متأثراً بنظرة والده
إلى الحياة، وإنما عاش نقيا صافيا، يتفكر فيما حوله حتى جاءه أمر الله، ونزل عليه وحي ربه.
جاء يتيماً يعاني شدة الحياة، ليتعود على شدة الدعوة في كبره.. كان يتيماً ليبقى صغيراً في عين نفسه، عظيما في أعين الناس..
ولم يكن عظيما في نفسه أبداً بل كان متواضعا كريما لينا سمحاً حتى قبل نزول الوحي عليه، ليصدق فيه قوله تعالى:
“وأنك لعلى خلق عظيم”.
في منازل بني سعد
كان يتيماً، ولكن دون أي اضطراب في شخصيته كالغالب في غيره من الايتام، فهو قد نال العطف كاملا، من مرضعته، وأمه،
وجده، وعمه أبي طالب، زهدت فيه المرضعات، لأنه يتيم ليس له أب يطمعن في عطاياه، ولم يعلمن ان العطايا تأتي معه
صلى الله عليه وسلم من الله جل جلاله خالق البشر، ولم تجد حليمة رضيعاً غيره فكانت البركة في مقدمه صلى الله عليه
وسلم معها، فعادته منازل بني سعد مخضرة بعد اجداب، وعاد الدر الى ضرع ناقتهم، وتبدل حالهم من حال الى حال..
بركته عليهم زادت تعلقهم به صلى الله عليه وسلم، وزادت حبهم له.. وليكون ذلك تعويضا له عن فقده لعاطفة الابوة.
يقول صلى الله عليه وسلم: “كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا أي غنم يرعونها ولم نأخذ
معنا زاداً. فقلت: يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا.
للقفا، فشقا بطني ثم استخرجا قلبي، فشقاه فأخرجا من
فانطلق أخي، ومكثت عند البهم، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال احدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال الآخر: نعم. فأقبلا
يبتدراني فأخذاني فبطحاني ه علقتين سوداوين. فقال احدهما لصاحبه:
ائتني بماء ثلج فغسل به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد فغسل به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة فذرها في قلبي، ثم قال احدهما لصاحبه:
حُصْه أي خِطْه فحاصه وختم عليه بخاتم النبوة، ثم قال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة”
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
“فإذا أنا انظر الى الألف من فوقي، أشفق ان يخر علي بعضهم،
فقال: لو ان أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا وتركاني”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وفرقت فرقا شديدا أي فزعت فزعا شديدا ثم انطلقت
الى أمي أي مرضعتي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت ان يكون قد التبس بي أي خشيت انه قد أصابه مس من الجن فقالت:
أعيذك بالله. فرحلت بعيراً لها فجعلتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا أمي
فقالت: أديت أمانتي وذمتي. وحدثتها بالذي لقيت،
فلم يرعها ذلك وقالت: إني رأيت حين خرج مني نورا أضاءت منه قصور الشام”
(احمد/ الشاميين (17196) - الدرامي/ علامات النبوة (14).